كيف نجعل من الإبداع منحى في التّعليم والتّعلم؟

[right]هل الإبداع منحى وفلسفة أم مادة تعليميَّة؟ تساؤل لخَّصته مداخلة الأستاذ جابر بن موسى باباعمي، التي كانت تحت عنوان: كيف نجعل من الإبداع منحى في التَّعليم والتَّعلم؟ الإجابة على هذا السُّؤال كانت عنوانا للجلسة التَّكوينية الأولى في المدرسة العلمية الجديدة.
استهل الأستاذ جابر بن موسى باباعمي المحاضرة بالتّذكير أنَّ المدرسة العلميَّة الجديدة مدرسةٌ خاصّة، ويجب أن تترجم خصوصيتها في الفلسفة والمناهج، وعليه يجب أن يكون فريقها التّربويّ أكثر إبداعاً وإطِّلاعا على الطُّرق الحديثة في التَّعليم.

وأهم ما تطرق إليه الأستاذ في مدخل المحاضرة التَّذكير أن للإبداع أهمية قصوى؛ فهو واجبٌ شرعيٌّ يستمد قوَّته من قوله تعالى: "الذِي خَلَقَ المَوْتَ وَالحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُم أيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ العَزِيزُ الغَفُورُ" -سورة الملك، الآية 2-، ومن هذه الآية الكريمة تتجلى حكمة الخالق في ضرورة الإبداع في العمل وتقديم أفضل الأعمال وأحسنها ، وعلى حد تعبير الأستاذ فالإبداع هو تصرف وسلوك comportement.

والأستاذ المبدع تجده دائما يحاول إيجاد وسط مختلف أكثر جمالاً، وفيه لمسة فنّية، كتزيين القسم وتنظيمه، وإلصاق البطاقات والمعلّقات. فالبحث عن هاته الإضافات هو بحد ذاته إبداع. والكثير من الأساتذة مبدعون، ولكنهم لا يعلمون بذلك.

ثم عاد الأستاذ إلى عنوان المحاضرة: كيف نجعل من الإبداع منحى في التَّعليم والتَّعلم؟ وشرع في تحليل العنوان، وإعطاء تفسير لكلّ كلمة فيه.

كيف: الإجابة عن كلمة "كيف؟" تتحقّق بالتّدريب لا بالمحاضرة، فعندما تتدرب على صنع طائرة ورقية تطير أبعد، فمع مرور الوقت ستبدع في صنعها. والأستاذ الذي لم يتدرّب على صنع طائرة ورقيّة، فالأكيد أنّه لن يستطيع تعليم التّلاميذ صنعها، وإذا لم يتمكّن التّلميذ من صنع طائرة ورقيّة في صغره فربما لن يستطيع صنع طائرةٍ حقيقيّةٍ في المستقبل. وهنا يتلخّص سبب قصورنا في صنع طائرات بمحرّك.

إذن البناء الحضاريّ لن يكون إلاَّ بالإبداع، ولن يكون الإبداع إلا بالتَّدرب، فإن وُجِد إشكال فالواجب التَّدرُّب على إيجاد الحَّل الأمثل بالبحث دائماً عن الأفضل والأنجع.

نجعل: ونعني بها أنّه هناك إمكانية للإبداع، ونقصد بالإمكانية أن تكون لنا الحريّة في القيام بذلك، ولا نعني بالحريَّة الحريَّة المطلقة لكن داخل الحدود التي رسمتها المبادئ الإسلامية والقواعد المنظّمة لها. وعليه فلا يجب أن يتعارض الإبداع مع هاته المبادئ والقواعد، على غرار ما وقعت فيه الحضارة الغربية من انحلال خُلُقِيّ، وانتشار للرذيلة في المعاملات الاجتماعية والمادية على السواء، نتيجة فتح المجال أمام الإبداع دون قيد أو شرط، حتى ولو كانت النَّتيجة تمسُّ الأخلاقيات، وتتلاعب بالقواعد والقوانين. والمثال ههنا يوضح المقال؛ فرياضة كرة القدم تحكمها مجموعةٌ من القوانين الصّارمة التي لا يجوز بحال تجاوزها، ولكن مع ذلك فقد أبدع منظروها في إطار القواعد التي حدَّدوها، وأوجدوا قواعد جديدة يظهر فيها التناغم جليا بين الحريَّة في الإبداع واحترام قواعد اللُّعبة، وهي لهذا لا تعتبر الرياضة الشَّعبية الأولى في العالم فقط بل معشوقة الجماهير أيضاً.

الإبداع: هو متعلِّق بنتائج ما نحقّقه وما نقدّمه كقيمة مضافة، وربط الأستاذ المحاضر الإبداع بالفن؛ حيث إنّ له شَقَّين: شقٌّ مرئيٌّ ملموسٌ، وشقٌّ حِسِّيٌّ نشعر به، ويلتقي الشِّقَّان في أنّ كليهما يحتاج إلى ابتكار الطُّرق، وحسن اختيار الوسائل والأدوات المثلى لحلّ مشكلة ما، أو تحقيق كفاءة أو هدف منشود.

وتَعدُّد هذه الطّرق واختلاف الوسائل في تحقيق الهدف، يفرض على الأستاذ أن يكون مبدعاً، ويتلخّص مفهوم الإبداع في البحث عن الطريقة المثلى والأنجع، والإتيان بالجديد، وترك بصمة واضحة وإيجاد قيمة مضافة. فقد يوجد في القسم تلميذٌ لا يركّز أو ربما يغفو أثناء الدّرس، وعلى الأستاذ مواجهة المشكلة بتحديد أسبابها أولاً، ثم البحث عن حلول لها، وقد يستحدث طرقا إبداعية في الحلّ، كأن يجلس التلميذ على الطّاولة مثلاً، أو يتركه يتجوّل في القسم بكل حريّة. وقد تجدي هذه الحلول نفعا، وقد لا تجدي، ولكن الأكيد أن يظلَّ الأستاذ في بحث متواصلٍ عن الحلول المناسبة للمشكلة.

وعليه نستنتج أن الإبداع يبعدنا عن التَّقليد في الأداء، ويمدنا بالأفكار أثناء البحث عن الحلول، وهذا سيجعل التَّعليم والتَّعلُّم أكثر متعةً وجذباً.

منحى: بما أن الإبداع فكرٌ وواجبٌ شرعيّ فيجب أن يتطابق السلوك والتصَّرف مع القناعة؛ فلا يجب أن يكون الباعث عليه مجرد مجموعة من الإجراءات والتعليمات الوظيفية، لأنها في حقيقة الأمر تقتل الإبداع. فالإسلام مثلا عقيدةٌ وشريعةٌ، وتصرُّفات المسلم وسلوكياته ينبغي أن تنطلق من اقتناعه بأفضليَّة تلك التشريعات عليه وعلى مَن حوله، أكثر من خوفه من عقاب الله عزَّ وجلَّ.

التّعليم والتّعلم: لكي تكون معلماً جيِّداً يتوجَّب عليك أن تتعلَّم جيِّداً؛ فأغلب الأساتذة تعلَّموا بطرق تقليدية، وبمناهج مختلفة، إذن على الأساتذة العودة للتّعلم لاكتشاف أساليب حديثة وابتكار طرق أكثر ابدعاً في التّعليم. ويعتبر الأمر خطيراً إذا وجد في مؤسّسة تعليميّة فريق تربويّ لا يتعلّم. ونعود بالأذهان إلى أنَّ صنع طائرةٍ حقيقيَّةٍ يبدأ بتعلّم كيفيَّة صنع طائرة ورقيّة بجودة.

كما أن مفهوم التّعليم والتعلّم يقتضي تبادل الأفكار والتّجارب بين الأساتذة، وتطويرها، وإيجاد مدرسة متعلِّمة؛ فليس عيباً أو نقصاً أن تبحث عن زميل لك أكثر خبرة يساعدك في إيجاد طرق إبداعيَّة لتقديم درس في التّربية التّكنولوجية مثلا، فتَحتَكُّ به، وتتعلَّم منه، فكلُّ أستاذ يملك تجربة، ويرى بأنها ناجحة عليه أن ينقلها إلى كامل الفريق التَّربوي، لكي تعمّ الفائدة، وينتشر الإبداع والفعاليَّة في الأداء، وتزيد المتعة في التّعلُّم.

ورغم قِصَر مدَّة المداخلة إلاَّ أنَّها كانت مميَّزة، وأبدع الأستاذ جابر موسى بابا عمي في عرض أفكاره، محاولاً لمس كلَّ جزءٍ من أجزاء الإبداع، فالموضوع يتطلّب إطلالة واسعة، ويحتاج الكثير من الوقت للتّعمُّق في دراسته.

إن شاء الله نكون قد استفدنا واستفدتم من هاته الإطلالة الواسعة حول الإبداع وكيف نجعله منحى في التّعليم والتّعلُّم ويجعل الله العزيز الحكيم جهودَنا وجهودَكم في الإبداع والبحث الدَّائم عن تقديم الأفضل وجعل أعمالنا قِيَّماً مضافةً في مؤسَّساتنا التَّربويَّة في ميزان حسناتنا وفي الأخير نتذكر وإيَّاكم الآية الكريمة وبعد أعوذ بالله من الشّيطان الرَّجيم، بسم الله الرَّحمان الرَّحيم: "الذِي خَلَقَ المَوْتَ وَالحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُم أيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ العَزِيزُ الغَفُورُ" - الآية 2 من سورة الملك.

كيف نجعل من الإبداع منحى في التّعليم والتّعلم؟ Recort10